كلنا يعرف أن شركات التأمين الكويتية كانت في طليعة شركات التأمين الخليجية يوماً ما، ثم تراجع أداؤها ليكون في ذيل القائمة في كثير من النواحي، رغم إيماننا بأن قطاع التأمين يضطلع بمهام اجتماعية واقتصادية غاية في الأهمية.
إن سبب هذا التراجع لا يعود إلى غياب قانون منظم للعمل التأميني بشكل عام فقط، بل إلى غياب الفكر التأميني أيضاً، وغياب الوعي الجماهيري بأهمية التأمين. وكل هذه الأسباب هي نتيجة حتمية لأسلوب الدولة الريعية، التي تتعامل مع قطاع التأمين، وكأنه ليس من ضمن الاهتمامات الرسمية، رغم الأهمية الاقتصادية الفائقة لهذا القطاع الحيوي، الأمر الذي جعل من الصعوبة المزج بين الفكر التأميني والفكر الريعي، وهو ما قلل من أهمية التأمين في نظر المواطن عموماً، إضافة إلى بعض القرارات الحكومية المتمثلة في منع عودة بعض الكفاءات والخبرات التأمينية من جنسيات عربية وأجنبية إلى الكويت بعد التحرير.
ولهذا لم يتمكن قطاع التأمين من إيجاد خبرات بديلة لملء الوظائف الشاغرة التي كانت تشغلها تلك الخبرات الأجنبية قبل الغزو، فأجبر القطاع على الاعتماد على عناصر محلية من متوسطي الخبرة في حقل التأمين.
في مطلع القرن 21 سمحت الحكومة بتأسيس شركات تأمين تكافلية بشكل مُبالغ فيه، دون أن تضع قواعد أو ضوابط صارمة لشركات التأمين الجديدة تعمل في سوق محدودة الإمكانات، ودون وجود قانون منظم للتأمين التكافلي.
وكان غياب الاهتمام الحكومي بالمتابعة الحرفية لأعمال شركات التأمين، وفقدان المراقبة الحثيثة لأدائها التشغيلي، باباً لبعض شركات القطاع للتلاعب في الأسعار وكسرها حينا، وتقديم خدمات تأمينية دون المستوى المعهود حيناً آخر.
أضف إلى ذلك، غياب المشاريع الصغيرة من المناقصات الحكومية، وطغيان المشاريع الضخمة (المليارية) في السوق الكويتية، مما ساهم في ابتعاد شركات التأمين الصغرى عن معترك التنافس، بسبب عدم قدرتها على توفير الكفالات اللازمة.
إلا أنه يجب الإقرار بأننا كتأمينيين نحن الذين ظلمنا أنفسنا بأنفسنا، ولم نتحرك التحرك المطلوب لتغيير طبائعنا التأمينية القديمة، وتعودنا على طرح مشاكلنا بالهمس، ووراء الكواليس، وبشكل فردي، بدلا من طرحها بطريقة علمية مكثفة وبشكل جماعي.
ولم نقم كقطاع، بجدية، بمطالبة الجهات الرسمية بمعاملة قطاع التأمين كما تعامل قطاع البنوك، أو قطاع الاستثمار مثلا، ليس من باب تقليد الغرب في تعامله مع التأمين، ولكن من باب الأهمية القصوى للتأمين في حياة الناس.
ولم نسأل وزارة التجارة عن أسباب عدم البت في مشروع القانون بشأن تنظيم قطاع التأمين والإشراف والرقابة عليه، منذ أكثر من تسع سنين، ولم نطالب بإدراج علوم التأمين ضمن المناهج الدراسية، سواء على المستوى الجامعي أو التعليم العام، وغيرها كثير من القضايا التأمينية التي طرحناها ضمن مقالات راحت أدراج رياح النسيان، والتي كان يفترض أن تقودنا إلى وضع استراتيجية تحدد مسار واتجاهات شركات التأمين في السوق الكويتية، والانطلاق بهذه الخطوة نحو الأسواق الإقليمية.
ولهذا كله، فإننا نقترح على كل من له اهتمام بقضايا التأمين، سواء من داخل أو خارج قطاع التأمين الكويتي، أن يشاركنا مناقشة أوضاع التأمين بشكل جماعي وعلني، أو ما يطلق عليه باللغة الإنكليزية (Brain Storming)، لتكون هذه المناقشة بمنزلة نواة لدراسة شاملة وواقعية لسوق التأمين، تقودنا إلى وضع استراتيجية تعيننا على استشراف مستقبل هذا القطاع.